ملخص: كتاب مفهوم السلم في الفلسفة السياسية.

 

 الفلسفة والسياسة تتصلان وتختلفان: تتصلان في الجذور المشتركة وتختلفان اجتماعيا وتاريخيا ومنهجيا، فرحلية الفلسفة، أم العوم أو علم العلوم، من المجرد إلى الملموس ومن الملموس إلى المجرد، لا تضاهيها تاريخيا رحلة الإيديولوجية التي استنبطت معالم الاعتقادات الكبرى في حياة الأمم والشعوب، إلا من حيث كونهما صادرتين عن الهم الإنساني المشترك، الهم الأصلي المتجدد: بأي وعي يسعد الإنسان، يتحقق، يتغير وهو يغير المكان بزمانه الخاص ؟ تبرز بين الوعي الفلسفي والوعي السياسي، كل إشكالات التحقيق الإنساني وإذا كانت الفلسفة تطمح إلى وعي الأعماق، فإن السياسة تطمح إلة وعي عام، يتآخى مع الفلسفة ليناقضها وأحيانا ليقاتلها، فمشروع إحياء الفلسفة، كمشروع تهافتها، يرتبط بموقف سياسي أولا، وبقدر ما تنطق الفلسفة من شهادة العقل، تصر السياسة على استخدام الفلسفة، وحين نضعها معا في مرآة الواقع الحي، تتضح لنا صورة تفاعلاتهما بشكل بارز: فمن جهة تستهدف الفلسفة العلوم النظرية والعملية، ومن جهة ثانية تستهدف السياسة الوعي السلمي والاعتقادي والأخلاقية السياسية بوجه عام.

إلا أن الفصل بين الفيلسوف ورجل السياسة ليس أمر سهلا. ذلك أنهما يتعايشان أحيانا في شخص واحد كما يقومان بنشاطات متباينة في المجتمع البشري، وبقدر ما تمثل الفلسفة للمثقفين وللثقافة، تهتم السياسة الإنجليزية للسياسيين، للأديان وللأخلاق.

وإذ أننا نعرض في هذا الكتاب بعضا من إشكالات ومقومات العلاقة بين الفلسفة والسياسة كسلم وكقيم - فإنما تطمع إلى استجلاء الأفق المشترك بينهما. وإلى رصد تطورهما المتفاعل والمتميز في آن.

وعليه فإننا إذ نتشدد في الكتابة الإنتقادية وفي النقد العلمي الرزين الهادف للموضوعات والشخصيات الفكرية، إنما نتوخى الحوار المعرفي الفاعل الفاعل الذي يساهم ولو جزئيا في إعلاء الوعي الحضاري للأمة العربية المستعدة لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية بروج جديدة هي روح الشعوب المسلحة بالوعي السلمي القيمي.

ونأمل في النهاية أن يكون هذا الملف عنصرا باعثا على النقاش في الأوساط المهتمة في الوطن العربي.